فضل الذكر والاستغفار
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
فضل الذكر والاستغفار
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
أيها الناس:
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بدين الإسلام، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون. واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
واحذروا مسالك الغافلين، ودروب الهالكين، واعتبروا بالفائزين، فالسعيد من وعظ بغيره: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
أيها المسلمون:
إنّ من الحقائق المؤلمة والفجائع المروِّعَة أن كثيراً من الناس اليوم طغت عليهم الماديات، وشغلهم العكوف على الملهيات والمحرمات، فراحوا يلهثون وراءَ حُطام الدنيا الفانية، فلم يتركوا لدينهم وعبادة ربهم وقتاً كافياً، بل صار الوقت كلُهُ مصروفاً لمتاع الدنيا وشهواتها المحرمة، فهي أكبر همهم، لها يغضبون، وعليها يحزنون، ومن أجلها يحبون ويبغضون، ويوالون ويعادون، فصدق عليهم ما قال الله عن الغافيلن: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).
لقد سادت الغفلة عن ذكر الله، وتنوعت وسائلُ الصدِ عن سبيل الله، وتفنّن أعداء الإسلام في الأساليب الخبيثة والطرق الماكرة، التي يصرفون بها أهلَّ الإسلام عن دينهم وذكر ربهم وكتابه المجيد.
ونتيجة لهذه الغفلة والبعد عن الله سبحانه وت حوادث السحر والمسِّ، وعزَّ الكسب الحلال.
وأعظم من ذلك ما أُصيبت به القلوبُ من قسوةٍ وغفلةٍ،صراطه المستقيم وذكره الحكيم عوقب الناس بعقوباتٍ حسية وأخرى معنوية هي أكبر لو كانوا يعلمون، فتواردت عليهم الفتن وكثر والعيون من جفاف المدامع، لقد جفّت مدامع العيون من خشية الله، وذهب صفاء القلوب إلا من رحم الله.
وهذا مصداق قولِ ربنا جل وعلا: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). ومصداق قوله سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ).
أيها الناس:
لقد غَفَلَ كثير من المسلمين عن سعادتهم الحقيقة وحياتهم الطيبة التي تكمن في ذكر الله عز وجل واستغفاره وعبادتهِ والتوجه إليه، فبها تطمئن القلوب وتسعد النفوس: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). وشغلوا أنفسهم بملهيات الحياة وضيعوا أعمارهم بالقيل والقال، وسيئ المقال.
لقد أصبح كثرٌ من الناس اليوم يعيشون حياة الضياع والغفلة، وذلك بمشاهدة المنكر، واستماع الإثم، فأفلامٌ خليعة مفسدة للأخلاق ومدمّرة للحياة، وأجهزةٌ لاستماع الغناء الذي يدعو إلى فعل الفاحشة والزنا، نجد ذلك في السيارات والبيوت والاستراحات وغيرها من أماكن اللهو. فأصبحت بيوتُ هؤلاء المحرومين مقراً للشياطين وميداناً لهم يتلاعبون فيه بالغافلين من الإنس يؤذنهم ويتسلطون عليهم جزاءَ غفلتهم عن ذكر ربهم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ).
ولهذا كثرت الشكوى في عصرنا الحاضر من حوادث السحر، والصرع، والإصابة بالعين، وهذا وإن كان بقضاءٍ وقدرٍ إلا أن مشيئة الله جرت بأن كلَّ شيءٍ له سبب.
وإن من أسباب تك المصائب: الغفلة عن الأوراد الشرعية والأذكار النبوية، وكلام ربِّ البرية، واستبدال ذلك بالصور الخليعة والغناء الماجن؛ قرآن الشيطان، والأفلام المفسدة، مما يسبب دخولَ الشياطين إلى البيوت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء". [رواه مسلم].
إنّ خير البيوت بيتٌ يُذكرُ الله فيه، ويُصلى فيه على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلّم، وإن شرَّ البيوت بيتٌ لا ذكر فيه، ولا تلاوة، وإنما هي الغفلة والإعراض.
وإن خير المجالس ما كان فيه ذكرٌ لله، وإن شرها ما جلب على صاحبه ضرراً وسببَّ له إثماً.
أيها المسلمون:
لقد قال صلى الله عليه وسلّم: "ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم تِرةٌ - أي نقص - فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم". [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
ولهذا شُرع في ختام المجلس كفارةٌ له، وهو أن يقول المرء عند قيامه من مجلسه: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك".
عباد الله:
إن الذكر والاستغفار هو الباب الأعظم بين العبد وربّه ما لم يغلقه العبدُ بالغفلة.
فبالذكر - أيها المسلمون - يَصْرَعُ الإنسانُ شيطانَ الجن كما يصرعُ الشيطان أهل الغفلة والإعراض.
قال بعض السلف: "إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يُصرعُ الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟! فيقال: قد مَسّه الإنسي".
الله أكبر، هكذا يُكْسِبُ ذكرُ الله واستغفاره المرءَ قوةً ونشاطاً، وإيماناً يصرع به شياطين الجن، مع قوة في البدن، حتى إن الذاكر ليفعل مع الذكر ما لم يظنَّ فعِلَه بدونه.
وقد عَلّم النبي صلى الله عليه وسلّم ابنته فاطمةَ وزوجها عليّ بن ابي طالب رضى الله عنهما: أن يُسبحا كل ليلةٍ إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويكبرا أربعاً وثلاثين لّما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك ودلّهما أنه خيرٌ لكما من خادم.
فعن عليّ بن ابي طالب: "أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته.
قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم. فقال: مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري. فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟!.
إذا أويتما إلى فراشكما - أو أخذتما مضاجعكما - فكبّرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم".
وفي روايةٍ من طريق شعبة، عن خالد، عن بن سيرين قال: "التسبيح أربع وثلاثون".
وإنني بهذه المناسبة ألفت أنظار الطلاب في مثل هذه الأيام (أيام أداء الامتحان) إلى هذا التوجيه النبوي الكريم بكثرة الذكر والاستغفار، وذلك ليُعانِ الإنسانُ على إجابته وكتابته، ويوفّق في حياته وأموره. والله المستعان.
أيها المسلمون:
إنّ ذكر الله بالقلب واللسان هو روح الأعمال الصالحة، فمتى خلا العمل عن الذكر كان الجسد بلا روح.
ذكرُ الله - يا عباد الله - يَطْرُدَ الشيطان، ويرضي الرحمن، ويُزيلَ الهم والغم، وَيُدخل على القلب الفرحَ والسرور والقوة والنشاط.
إنه نورٌ في الوجه والقلب، وهو سببٌ جالب للرزق.
أيها المسلمون:
إنّ الذكر يكسو الذاكر مهابةً وحلاوةً، ونضرةً ومحبة.
إنّ الذكر يورثُ صاحبه المراقبة والإنابةَ، ويفتحُ للمرء باباً عظيماً من أبواب المعرفة، ويورثه القربَ من ربّه عز وجل، ويثيبه الله تبارك تعالى بإن يذكره، وقد قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
الذكر ـ يا عباد الله ـ يَحُطُّ الخطايا والسيئات، ويُزيلُ الوحشة بين المرء وربه، فهو حياةٌ للقلوب، قال صلى الله عليه وسلّم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". [رواه البخاري].
وروى مسلم ايضاً: "مثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".
والذكر يَعْدِلُ عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله، ففي الحديث الصحيح عند الترمذي، أنه صلى الله عليه وسلّم قال: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!. قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى".
ولهذا ترتفع منزلة الذاكرين الله كثيراً والذكرات إلى أن يباهي الله عز وجل بهم الملائكة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه وأحبابه بالذكر.
عن عبد الله بن بسر: "أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأنبئني بشيء أتشبث به؟!.
فقال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله". [قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد].
وأخذ صلى الله عليه وسلّم بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
فيا أصحاب الهمم العالية:
استمعوا إلى الثواب الجزيل على العمل القليل، فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة:
أن من قال: "سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة. وأن غراس الجنة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
ومن قال: "لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدلَ عشر رقاب، وكتبت له مائةُ حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عملَ أكثر منه".
وقال صلى الله عليه وسلّم: "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
ولو لم يكن في الذكر من الثواب إلا أن الله أمر المؤمنين به ورتب الفلاح عليه لكفى، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وقال سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ). وقال: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وفي سنة سيد المرسلين، وجعلني وإياكم من الذاكرين الشاكرين، ونعوذ بالله أن نكون من الغافلين.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وأعذنا من سبل أصحاب الجحيم، آمين.
هذا، واستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله العزيز الغفار، أثنى على التائبين وأشاد بالمستغفرين بالأسحار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المختار، بلّغ البلاغ المبين ودلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم من ذلك الذكر والاستغفار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى وراقبوه، وتوبوا إليه واستغفروه، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم.
أيها المسلمون:
إنّ الاستغفار منهجُ الأنبياء الأخيار، ومسلكُ الرسل الأبرار، فقد عملوا به، وأمروا به أقوامهم.
الاستغفار من موجبات رحمة الله، فلقد أخبر الله عن صالح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
فمن استغفر الله بصدق غفر الله له قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً).
وقال صلى الله عليه وسلّم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم". [رواه مسلم].
والاستغفار أمانٌ للأمة من العذاب: (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
إن الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في القلب لا التلفظ باللسان فحسب.
فأما من قال بلسانه: استغفر الله، وقلبه مصرٌ على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار (هذا ما قرره القرطبي رحمه الله في تفسيره).
أيها المسلم:
الزم الاستغفار الصادق في جميع أحوالك، فلربما صادفتَ ساعة إجابة فغُفِرَتْ ذنوبك، وحصلت على مطلوبك.
قال لقمان لابنه: "يا بني عَوِّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعاتٍ لا يردُّ فيها سائلاً".
وقال الحسن: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي أسواقكم ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة".
وسيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
وقد قال صلى الله عليه وسلّم عن فضل هذه الكلمات: " ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
وقول القائل (استغفر الله) معناه أطلب مغفرته، فهو مثل قوله: (اللهم اغفر لي).
فالاستغفار التامُّ الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله ووعدهم بالمغفرة.
قال بعض السلف: "من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيحُ توبته فهو كاذب".
وكان بعضهم يقول: "استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير".
وليس معنى هذا أن يدع المرءُ الاستغفار بحجة أنه مقيمٌ على الذنب، بل عليه أن يجاهد نفسه على لزوم الاستغفار، وعلى التخلص من الذنوب والأوزار، فلقد كان جماعة من السلف رحمهم الله لا يفتُرون من الاستغفار.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه كُلَّ يومٍ ألف مرة، وذلك على قدر ديتي".
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً".
بل قد كان الصحابة يعدّون لنبينا صلى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرة، فعن ابن عمر قال: "ربما عُدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم".
وفي رواية: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فسمعته استغفر مائة مرة، يقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور".
وقال بعضهم: "ما جاور عبدٌ في قبره من جار أحبُّ إليه من كثرة الاستغفار".
وقال آخر: "إما مُعَوَّلُ المذنبين البكاء والاستغفار، فمن أهمّته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار".
جعلني الله وإياكم من الصادقين في استغفارهم، المنيبين إلى ربهم.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها الناس:
اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بدين الإسلام، ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون. واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.
واحذروا مسالك الغافلين، ودروب الهالكين، واعتبروا بالفائزين، فالسعيد من وعظ بغيره: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).
أيها المسلمون:
إنّ من الحقائق المؤلمة والفجائع المروِّعَة أن كثيراً من الناس اليوم طغت عليهم الماديات، وشغلهم العكوف على الملهيات والمحرمات، فراحوا يلهثون وراءَ حُطام الدنيا الفانية، فلم يتركوا لدينهم وعبادة ربهم وقتاً كافياً، بل صار الوقت كلُهُ مصروفاً لمتاع الدنيا وشهواتها المحرمة، فهي أكبر همهم، لها يغضبون، وعليها يحزنون، ومن أجلها يحبون ويبغضون، ويوالون ويعادون، فصدق عليهم ما قال الله عن الغافيلن: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ).
لقد سادت الغفلة عن ذكر الله، وتنوعت وسائلُ الصدِ عن سبيل الله، وتفنّن أعداء الإسلام في الأساليب الخبيثة والطرق الماكرة، التي يصرفون بها أهلَّ الإسلام عن دينهم وذكر ربهم وكتابه المجيد.
ونتيجة لهذه الغفلة والبعد عن الله سبحانه وت حوادث السحر والمسِّ، وعزَّ الكسب الحلال.
وأعظم من ذلك ما أُصيبت به القلوبُ من قسوةٍ وغفلةٍ،صراطه المستقيم وذكره الحكيم عوقب الناس بعقوباتٍ حسية وأخرى معنوية هي أكبر لو كانوا يعلمون، فتواردت عليهم الفتن وكثر والعيون من جفاف المدامع، لقد جفّت مدامع العيون من خشية الله، وذهب صفاء القلوب إلا من رحم الله.
وهذا مصداق قولِ ربنا جل وعلا: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). ومصداق قوله سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ).
أيها الناس:
لقد غَفَلَ كثير من المسلمين عن سعادتهم الحقيقة وحياتهم الطيبة التي تكمن في ذكر الله عز وجل واستغفاره وعبادتهِ والتوجه إليه، فبها تطمئن القلوب وتسعد النفوس: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). وشغلوا أنفسهم بملهيات الحياة وضيعوا أعمارهم بالقيل والقال، وسيئ المقال.
لقد أصبح كثرٌ من الناس اليوم يعيشون حياة الضياع والغفلة، وذلك بمشاهدة المنكر، واستماع الإثم، فأفلامٌ خليعة مفسدة للأخلاق ومدمّرة للحياة، وأجهزةٌ لاستماع الغناء الذي يدعو إلى فعل الفاحشة والزنا، نجد ذلك في السيارات والبيوت والاستراحات وغيرها من أماكن اللهو. فأصبحت بيوتُ هؤلاء المحرومين مقراً للشياطين وميداناً لهم يتلاعبون فيه بالغافلين من الإنس يؤذنهم ويتسلطون عليهم جزاءَ غفلتهم عن ذكر ربهم: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ).
ولهذا كثرت الشكوى في عصرنا الحاضر من حوادث السحر، والصرع، والإصابة بالعين، وهذا وإن كان بقضاءٍ وقدرٍ إلا أن مشيئة الله جرت بأن كلَّ شيءٍ له سبب.
وإن من أسباب تك المصائب: الغفلة عن الأوراد الشرعية والأذكار النبوية، وكلام ربِّ البرية، واستبدال ذلك بالصور الخليعة والغناء الماجن؛ قرآن الشيطان، والأفلام المفسدة، مما يسبب دخولَ الشياطين إلى البيوت.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلّم: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء". [رواه مسلم].
إنّ خير البيوت بيتٌ يُذكرُ الله فيه، ويُصلى فيه على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلّم، وإن شرَّ البيوت بيتٌ لا ذكر فيه، ولا تلاوة، وإنما هي الغفلة والإعراض.
وإن خير المجالس ما كان فيه ذكرٌ لله، وإن شرها ما جلب على صاحبه ضرراً وسببَّ له إثماً.
أيها المسلمون:
لقد قال صلى الله عليه وسلّم: "ما جلس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله تعالى فيه ولم يصلوا على نبيهم فيه إلا كان عليهم تِرةٌ - أي نقص - فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم". [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
ولهذا شُرع في ختام المجلس كفارةٌ له، وهو أن يقول المرء عند قيامه من مجلسه: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك".
عباد الله:
إن الذكر والاستغفار هو الباب الأعظم بين العبد وربّه ما لم يغلقه العبدُ بالغفلة.
فبالذكر - أيها المسلمون - يَصْرَعُ الإنسانُ شيطانَ الجن كما يصرعُ الشيطان أهل الغفلة والإعراض.
قال بعض السلف: "إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يُصرعُ الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟! فيقال: قد مَسّه الإنسي".
الله أكبر، هكذا يُكْسِبُ ذكرُ الله واستغفاره المرءَ قوةً ونشاطاً، وإيماناً يصرع به شياطين الجن، مع قوة في البدن، حتى إن الذاكر ليفعل مع الذكر ما لم يظنَّ فعِلَه بدونه.
وقد عَلّم النبي صلى الله عليه وسلّم ابنته فاطمةَ وزوجها عليّ بن ابي طالب رضى الله عنهما: أن يُسبحا كل ليلةٍ إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين ويكبرا أربعاً وثلاثين لّما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك ودلّهما أنه خيرٌ لكما من خادم.
فعن عليّ بن ابي طالب: "أن فاطمة عليهما السلام شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته.
قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم. فقال: مكانك فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري. فقال: ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟!.
إذا أويتما إلى فراشكما - أو أخذتما مضاجعكما - فكبّرا ثلاثاً وثلاثين وسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم".
وفي روايةٍ من طريق شعبة، عن خالد، عن بن سيرين قال: "التسبيح أربع وثلاثون".
وإنني بهذه المناسبة ألفت أنظار الطلاب في مثل هذه الأيام (أيام أداء الامتحان) إلى هذا التوجيه النبوي الكريم بكثرة الذكر والاستغفار، وذلك ليُعانِ الإنسانُ على إجابته وكتابته، ويوفّق في حياته وأموره. والله المستعان.
أيها المسلمون:
إنّ ذكر الله بالقلب واللسان هو روح الأعمال الصالحة، فمتى خلا العمل عن الذكر كان الجسد بلا روح.
ذكرُ الله - يا عباد الله - يَطْرُدَ الشيطان، ويرضي الرحمن، ويُزيلَ الهم والغم، وَيُدخل على القلب الفرحَ والسرور والقوة والنشاط.
إنه نورٌ في الوجه والقلب، وهو سببٌ جالب للرزق.
أيها المسلمون:
إنّ الذكر يكسو الذاكر مهابةً وحلاوةً، ونضرةً ومحبة.
إنّ الذكر يورثُ صاحبه المراقبة والإنابةَ، ويفتحُ للمرء باباً عظيماً من أبواب المعرفة، ويورثه القربَ من ربّه عز وجل، ويثيبه الله تبارك تعالى بإن يذكره، وقد قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ).
الذكر ـ يا عباد الله ـ يَحُطُّ الخطايا والسيئات، ويُزيلُ الوحشة بين المرء وربه، فهو حياةٌ للقلوب، قال صلى الله عليه وسلّم: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت". [رواه البخاري].
وروى مسلم ايضاً: "مثلُ البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت".
والذكر يَعْدِلُ عتق الرقاب، ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله، ففي الحديث الصحيح عند الترمذي، أنه صلى الله عليه وسلّم قال: "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟!. قالوا: بلى. قال: ذكر الله تعالى".
ولهذا ترتفع منزلة الذاكرين الله كثيراً والذكرات إلى أن يباهي الله عز وجل بهم الملائكة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه وأحبابه بالذكر.
عن عبد الله بن بسر: "أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ، فأنبئني بشيء أتشبث به؟!.
فقال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله". [قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد].
وأخذ صلى الله عليه وسلّم بيد معاذ بن جبل رضي الله عنه وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ في دُبُرِ كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
فيا أصحاب الهمم العالية:
استمعوا إلى الثواب الجزيل على العمل القليل، فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة:
أن من قال: "سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة. وأن غراس الجنة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
ومن قال: "لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدلَ عشر رقاب، وكتبت له مائةُ حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عملَ أكثر منه".
وقال صلى الله عليه وسلّم: "من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
ولو لم يكن في الذكر من الثواب إلا أن الله أمر المؤمنين به ورتب الفلاح عليه لكفى، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وقال سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ). وقال: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وفي سنة سيد المرسلين، وجعلني وإياكم من الذاكرين الشاكرين، ونعوذ بالله أن نكون من الغافلين.
اللهم اهدنا صراطك المستقيم، وأعذنا من سبل أصحاب الجحيم، آمين.
هذا، واستغفر الله لي ولكم، ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله العزيز الغفار، أثنى على التائبين وأشاد بالمستغفرين بالأسحار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، أحمده سبحانه على نعمه الغزار، وأشكره على فضله المدرار، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله المختار، بلّغ البلاغ المبين ودلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم من ذلك الذكر والاستغفار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأخيار، وعلى من تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد:
فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله تعالى وراقبوه، وتوبوا إليه واستغفروه، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم.
أيها المسلمون:
إنّ الاستغفار منهجُ الأنبياء الأخيار، ومسلكُ الرسل الأبرار، فقد عملوا به، وأمروا به أقوامهم.
الاستغفار من موجبات رحمة الله، فلقد أخبر الله عن صالح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
فمن استغفر الله بصدق غفر الله له قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً).
وقال صلى الله عليه وسلّم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم". [رواه مسلم].
والاستغفار أمانٌ للأمة من العذاب: (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
إن الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في القلب لا التلفظ باللسان فحسب.
فأما من قال بلسانه: استغفر الله، وقلبه مصرٌ على معصيته، فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار (هذا ما قرره القرطبي رحمه الله في تفسيره).
أيها المسلم:
الزم الاستغفار الصادق في جميع أحوالك، فلربما صادفتَ ساعة إجابة فغُفِرَتْ ذنوبك، وحصلت على مطلوبك.
قال لقمان لابنه: "يا بني عَوِّد لسانك الاستغفار فإن لله ساعاتٍ لا يردُّ فيها سائلاً".
وقال الحسن: "أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي أسواقكم ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة".
وسيد الاستغفار أن يقول العبد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عليَّ، وأبوءُ بذنبي، فاغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
وقد قال صلى الله عليه وسلّم عن فضل هذه الكلمات: " ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة".
وقول القائل (استغفر الله) معناه أطلب مغفرته، فهو مثل قوله: (اللهم اغفر لي).
فالاستغفار التامُّ الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار، كما مدح الله أهله ووعدهم بالمغفرة.
قال بعض السلف: "من لم يكن ثمرة استغفاره تصحيحُ توبته فهو كاذب".
وكان بعضهم يقول: "استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار كثير".
وليس معنى هذا أن يدع المرءُ الاستغفار بحجة أنه مقيمٌ على الذنب، بل عليه أن يجاهد نفسه على لزوم الاستغفار، وعلى التخلص من الذنوب والأوزار، فلقد كان جماعة من السلف رحمهم الله لا يفتُرون من الاستغفار.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه كُلَّ يومٍ ألف مرة، وذلك على قدر ديتي".
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً".
بل قد كان الصحابة يعدّون لنبينا صلى الله عليه وسلّم في المجلس الواحد مائة مرة، فعن ابن عمر قال: "ربما عُدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الواحد مائة مرة: رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم".
وفي رواية: " كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، فسمعته استغفر مائة مرة، يقول: اللهم اغفر لي، وارحمني، وتب علي، إنك أنت التواب الغفور".
وقال بعضهم: "ما جاور عبدٌ في قبره من جار أحبُّ إليه من كثرة الاستغفار".
وقال آخر: "إما مُعَوَّلُ المذنبين البكاء والاستغفار، فمن أهمّته ذنوبه أكثر لها من الاستغفار".
جعلني الله وإياكم من الصادقين في استغفارهم، المنيبين إلى ربهم.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا، إنك أنت الغفور الرحيم.
اللهم ألهمنا رشدنا وأعذنا من شرور أنفسنا.
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
الشيخ جمال- مشرف قسم
- عدد المساهمات : 32
عداد النشاط في المنتدي : 109559
نشاط العضو : 9
تاريخ التسجيل : 22/11/2009
العمر : 32
الموقع : www.mohosman.yoo7.com
رد: فضل الذكر والاستغفار
[color=brown]اللهم اغفرلي ولجميع المسلمين]
رباب سمير- عالم فضى
- عدد المساهمات : 224
عداد النشاط في المنتدي : 110269
نشاط العضو : 1
تاريخ التسجيل : 21/11/2009
العمر : 36
الموقع : nadaamr85@yahoo
رد: فضل الذكر والاستغفار
اللهم امين مشكورة اختي رباب
الشيخ جمال- مشرف قسم
- عدد المساهمات : 32
عداد النشاط في المنتدي : 109559
نشاط العضو : 9
تاريخ التسجيل : 22/11/2009
العمر : 32
الموقع : www.mohosman.yoo7.com
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى